بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِ الْأَوَّلينَ وَالْآخِرينَ سَيْدِنَا مُحمَّدٍ وَعَلَى جَمِيعِ إِخْوَانِهِ مِنَ الْأَنْبِياءِ وَالْمُرْسَلينَ وَآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَصَحَابَتِهِ الرَّاشدينَ الْمَهْدِيِّينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ وَسَلَكَ سَبِيلَهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ..وبعد،،،
أبنائي وبناتي الأعزاء السلام عليكم ورحمة الله - تعالى - وبركاته
حديثنا اليوم في مادة مدخل لدراسة علم الكلام عن مقدمات عامة حول هذا العلم، هذه المقدمات تشتمل على ما يأتي:- تعريف علم الكلام ..موضوع علم الكلام .. أسماء علم الكلام .. فائدة علم الكلام وغايته:-
استمع الى المقطع الصوتي
أولًا :- تعريف علم الكلام:-
لعلم الكلام تعريفات متعددة ذكرها العلماء، منها:- هو علم يُبْحَث فيه عن ذات الله - تعالى - وذات رسله، من حيث ما يجب، وما يستحيل، وما يجوز، وعن اليوم الآخر وما فيه، فهو علم يُبْحَث فيه عن ذات الله وذات الله من حيث كونها ذاتًا لا يُبْحَث فيها بل ورد النهي عن البحث فيها، كما ورد فى الحديث الشريف:- (تَفَكَّرُوا فِي آلاَءِ اللَهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ وَلاَ تَفَكَّرُوا فِي ذَاتِهِ فإنَّكم لن تَقْدروا قدْرَه)، وإنما البحث في الذات من حيثية خاصة، من حيث ما يجب لله - تعالى، وما يستحيل عليه، وما يجوز في حقه - سبحانه، وعن الرسل - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِم - من حيث ما يجب لهم، وما يستحيل عليهم، وما يجوز في حقهم، وعن اليوم الآخر وما فيه من بعث وحساب وجزاء وجنة ونار إلى آخر ما ورد من ذلك في كتاب الله والسنة الصحيحة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
استمع الى المقطع الصوتي
هناك تعريف آخر للعلماء، وهو علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج لها ودفع الشبه عنها، علم يقتدر معه يعنى الدارس لهذا العلم يستطيع بوسائل هذا العلم أن يثبت هذه العقائد الدينية، علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية، إثباتها بالحجج القطعية اليقينية من الكتاب العزيز ومن السنة القطعية ومن العقل كذلك، علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية والمراد بالعقائد الدينية ما جاء بها القرآن الكريم والسنة المطهرة، وهي الإيمان بالله - تعالى - وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر.
استمع الى المقطع الصوتي
هذا العلم دارسه يستطيع بوسائل، هذا العلم أن يثبت هذه العقائد أن يثبتها بالأدلة اليقينية القطعية، وأن يقيم الحجة على الغير بالنسبة لهذه العقائد، فهو علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج لها، ودفع شبه الملحدين والمشككين فيها. هذا عن تعريف علم الكلام،
استمع الى المقطع الصوتي
أما مفهوم العقائد - كما قلنا، فالعقيدة هي كل ما عقد عليه القلب، هذا من الناحية اللغوية، العقيدة هي ما عقد عليه القلب من حقائق أو من عقائد أو من غيرها، وهي بالمعنى الاصطلاحي هي الحقائق الإيمانية التي يعقد عليها المسلم قلبه موقنًا بيقينها، موقنًا بصدقها ويقينها من الله - تعالى. هي الحقائق الإيمانية، فالإيمان بالله - تعالى - حقيقة إيمانية، الإيمان بالملائكة حقيقة إيمانية، أمرنا الله بالإيمان بها، الإيمان برسل الله - تعالى - جميعًا، الإيمان بكتب الله المنزلة، الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بالقضاء والقدر، هذه كلها حقائق يعقد عليها المؤمن قلبه موقنًا بصدقها ويقينها من الله - تعالى. هذا هو المراد بالعقائد.
استمع الى المقطع الصوتي
هذا العلم لاشك أن له أهمية مزدوجة:- أهميته من ناحية الإثبات، وأهميته من ناحية الدفاع، فهذا العلم يقوم بأمرين:- إثبات العقائد الدينية بالأدلة القطعية اليقينية لمن يؤمن بهذه العقائد:- الأمر الثانى هو الدفاع عن هذه العقائد ضد المشككين فيها أو المفتئتين عليها، وهذا أمر فى غاية الأهمية، ومن هنا تأتى أهمية علم الكلام.
استمع الى المقطع الصوتي
لاشك أن للعقل أهمية خاصة فى هذا العلم. هذا العلم لايمكن فهمه إلا بالعقل، هذا العلم أيضا الاستدلال عليه إلى جانب القرآن الكريم والسنة المطهرة، الاستدلال عليه بالأدلة العقلية المنطقية؛ لأن غير المؤمن لايؤمن بما ورد به الكتاب أو ما وردت السنة المطهرة من أدلة، فيحتاج إلى أدلة أخرى هى الأدلة العقلية التى تفحم الخصم وتجادله وتدافع عن العقيدة الإيمانية.
استمع الى المقطع الصوتي
هذه أمور لابد من العلم بها قبل الشروع في هذا العلم، أما عن موضوع علم الكلام فموضوع علم الكلام من خلال التعريف الذي ذكرناه أولًا يمكن الوقوف على موضوع أو موضوعات هذا العلم، فقد قلنا:- إنه علم يبحث فيه عن ذات الله – تعالى، وذات رسله من حيث ما يجب، وما يستحيل، وما يجوز، وعن اليوم الآخر وما فيه.
استمع الى المقطع الصوتي
من خلال هذا التعريف نستطيع أن نقف على موضوع هذا العلم، فموضوعات هذا العلم هي العقائد الإيمانية، الإيمان بالله - تعالى، ماذا يعنى الإيمان بالله - تعالى؟ الإيمان بالله - تعالى - يعني أولًا الإيمان بوجوده - سبحانه - على غير ما يرى الملحدون.
استمع الى المقطع الصوتي
ثانيًا:- الإيمان بتوحيده - سبحانه - على غير ما يرى المشركون.
استمع الى المقطع الصوتي
ثالثًا:- الإيمان بصفات الكمال لله - سبحانه وتعالى - على غير ما يرى المعطلون.
استمع الى المقطع الصوتي
الإيمان بنفي واستحالة ما يتنافى مع قدس الله - تعالى -وجلاله على غير ما يرى المشبهون والمجسمون. هذه عقيد، وهذا موضوع من موضوعات هذا العلم.
استمع الى المقطع الصوتي
الإيمان بالملائكة:- (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ)، الإيمان بالملائكة هذه عقيدة، الإيمان بأن لله - تعالى - جنودًا لايعلمها ألا هو، هي ما تسمى بالملائكة، وهم عالم غيبي خلقه الله - سبحانه وتعالى، (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) والإيمان بهم يعني الإيمان بوجودهم أولًا، على غير ما يرى من ينكرون الغيب أو ينكرون الملائكة. الإيمان بأنهم عناصر الخير في هذا الوجود، فهم (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، حتى يمكن الاقتداء بهم والتأسي بسلوكهم ومقامهم من الله - عز وجل.
استمع الى المقطع الصوتي
الأمر الثالث:- هو الإيمان بكتب الله - عز وجل، الإيمان بالكتب جميعًا، فالإيمان بما أنزل على موسى، الإيمان بما أنزل على عيسى، الإيمان بما أنزل على محمد، الإيمان بما أنزل على داود، وهو الزبور ، الإيمان بصحف إبراهيم وصحف موسى، هذا ما ورد ذكره تفصيلًا في القرآن الكريم، وواجب المؤمن أن يؤمن به تفصيلًا. وأما إجمالًا فنؤمن بأن لله - تعالى - كتبًا متعددة أنزلها على رسل الله وأنبيائه - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِم. والإيمان بهذه الكتب و الإيمان بها كيوم أنزلت على رسل الله - عز وجل - دون تحريف ودون تغيير الإيمان بالكتب، الإيمان بالرسل إيمان بالرسل جميعًا؛ لأنهم يمثلون لبنات في صرح أو في بناء النبوة الواحد، فالأنبياء جميعًا أخوة لعلات، كما ورد في الحديث الشريف، ولأنهم جميعًا جاءوا بدين واحد هو الإسلام:- {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ}.
استمع الى المقطع الصوتي
فيجب الإيمان بهم دون أن نفرق بين أحد من رسل الله - عز وجل، أما التفريق في المنزلة والدرجة فيها أمر مقرر في الإسلام، كما قال - سبحانه:- {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ}.
استمع الى المقطع الصوتي
الإيمان باليوم الآخر وما فيه من بعث وحساب وجزاء وجنة ونار، كل هذا من العقائد التي يجب الإيمان بها، واليوم الآخر الإيمان به على أنه اليوم الذي يوفى فيه كل إنسان حسابه وجزاءه أمام عدالة الحساب و الجزاء، كما قال - تعالى:- {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}، هذه موضوعات علم العقيدة أو علم التوحيد يسمى بعلم العقيدة؛ لأنه مما نعقد عليه قلوبنا ونؤمن به، ويسمى بعلم التوحيد؛ لأن أعظم صفة دار الأمر بشأنها هي صفة الوحدانية، فكثير ممن يؤمنون بالله يشركون مع الله - تعالى - غيره، ومن ثم كانت صفة التوحيد تعتبر أهم صفة عُني بها القرآن، وعُنيت بها السنة المطهرة، ولهذا سمي هذا العلم بعلم التوحيد، فموضوعات علم التوحيد مسائل علم التوحيد وما يجب الإيمان به هذه هي العقائد التي ذكرناها جميعًا.
استمع الى المقطع الصوتي
هناك فرق بين بحث هذه المسائل عند المتكلمين وبين بحثها عند الفلاسفة، فالفلاسفة يستدلون أولًا ثم يعتقدون، أما علماء الكلام فيعتقدون أولًا ثم يلتمسون الأدلة والبراهين على هذه العقائد. الحقيقة أن الغاية المتوخاة من دراسة هذا العلم هو أن نعرف هذه العقائد وهذه المسائل بأدلتها، سواء أكانت من أجل الإثبات أو كانت من أجل الدفاع عن هذه العقائد.
استمع الى المقطع الصوتي
أسماء هذ العلم:- يسمى هذا العلم بأسماء متعددة، فمنها علم العقيدة، ومنها علم التوحيد، ومنها علم أصول الدين، ومنها علم الفقه الأكبر، كل هذه أسماء لهذا العلم إلى جانب علم الكلام.
استمع الى المقطع الصوتي
أما لماذا سُمي هذا العلم بهذه الأسماء فلما يأتي:-
أولًا:- علم العقائد أو العقيدة؛ لأنه يشتمل على العقائد التي ذكرناها والتي جاء بها الكتاب الكريم والسنة المطهرة. وأما علم التوحيد، فلأن أهم صفة من صفات الحق - جل وعز - هي صفة الوحدانية، وقد عُني القرآن الكريم بها أكثر مما عني حتى بقضية الوجود، أما لماذا؟ فلأن الوجود الإلهي أو صفة الوجود أمر فطري معلوم بالفطرة لدى الناس جميعًا، وأن كانت بالنسبة للملاحدة والكافرين تغير وتبدل أو السبب فيها هو تغييرها وتبديلها، أما الإيمان بالله فأمر فطري في المقام الأول.
استمع الى المقطع الصوتي
الأمر الثانى:- أن كثيرًا ممن يؤمنون بالله - عز وجل - يشركون مع الله غير الله - سبحانه، فنجد الثنوية الذين يؤمنون بإلهين:- إله للنور، وإله للظلمة، أو إله للخير أو إله للشر، نجد الوثنية التىي تؤمون بآلهة متعددة سواء كانت مادية أو روحية، نجد اليهود والنصارى الذين يعددون ويشركون مع الله غير الله، ويجعلون لله الولد، ونجد كثيرًا من ما يؤمنون بالله يشركون مع الله غير الله، ومن ثم سُمي هذا العلم بعلم التوحيد؛ لأن أهم صفة من الصفات الإلهية - عُني بها القرآن وعُنيت بها السنة المطهرة - هي وحدانية الله - عز وجل.
استمع الى المقطع الصوتي
سمي بعلم أصول الدين؛ لأنه يشتمل على مسائل الأصول العقائد، فالعقائد هي أصول الإسلام، الإسلام عبارة عن أمرين:- عقيدة وشريعة، العقائد هي التي ذكرناها، وهي أصول الإسلام، والشرائع هي الأحكام المحمدية التي جاء بها الكتاب والسنة من الحلال والحرام والعبادات والاخلاق والآداب، كل هذه تسمى شريعة، فالعقيدة هي الأساس، والشريعة تمثل البناء فوق هذا الأساس، ولا يصلح بناء غير أساس، ومن ثم سمي هذا العلم - الذي يدرس هذه المسائل العقائدية - سمي بعلم أصول الدين، يسمى أيضًا بعلم الفقه الأكبر في مقابل الفقه، الفقه يشتمل على الفروع والأحكام الفرعية، أما الفقه الأكبر فيشتمل - كما قلنا - على العقائد وعلى الأصول، فيسمى بعلم الفقه الأكبر في مقابل الفقه الذي يُعْنَى بالأحكام العملية التشريعية.
استمع الى المقطع الصوتي
يُسَّمى بعلم الكلام، وهذا الاسم الذي ندرسه الآن علم الكلام؛ لأن صفة الكلام تعتبر من أهم الصفات - أيضًا - التي دار حولها الكلام، والذي حدث بشأنها ما حدث على أيدي المعتزلة مع الإمام أحمد بن حنبل - رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُ،
والكلام عن القرآن الكريم هل هو مخلوق أو قديم وليس بمخلوق إلى آخر ما هنالك، أو لأنهم العلماء كانوا يعنونون لمسائل هذا العلم بقولهم الكلام عن كذا، الكلام عن كذا، الكلام عن كذا؛ فسُمِي بعلم الكلام، أو لأنه يفيد الإنسان أو الدارس له في البرهنه والاستدلال والكلام ومجادلة الخصوم؛ لذلك سُمي هذا العلم بعلم الكلام.
استمع الى المقطع الصوتي
الفائدة - كما قلنا مرة أخرى - من هذا العلم هي إثبات العقائد الدينية، والاستدلال عليها، والدفاع عنها، والغاية من هذا العلم هي الوصول الى الحقائق الإيمانية مثبتة، ومستدلًا عليها بالأدلة اليقينة القرآنية أو النبوية أو المنطقية العقلية - كما ذكرنا، الأدلة اليقينية سواء من القرآن الكريم، أو من السنة المتواترة التي تفيد القطع واليقين، أو من العقل لإلجام الخصم والدفاع عن العقيدة والدين.
والله - تعالى - أعلم.